×
×

الكويت: عجز موازنة السنة المالية 2020/2021 يصل إلى 10.8 مليار دينار الأعلى في تاريخ الكويت

س
س

تأثر الوضع المالي للكويت بشدة، مثلها في ذلك مثل نظرائها في دول مجلس التعاون الخليجي، جراء جائحة كوفيد -19 وصدمة أسعار النفط التي أعقبت ذلك.

وقد أدى ذلك إلى تضخم العجز من 3.9 مليار دينار في السنة المالية السابقة إلى 10.8 مليار دينار أو ما يعادل 33% من الناتج المحلي في السنة المالية 2020/2021 (الرسم البياني 1).

وكان انخفاض سعر خام التصدير الكويتي أحد العوامل الرئيسية التي تسببت في تسجيل ذلك العجز.

وقد حاولت الحكومة الحد من زيادة العجز من خلال ضغط الإنفاق الرأسمالي لتعويض زيادة النفقات الجارية التي يصعب عكس مسارها.

وارتفع إجمالي الإنفاق الحكومي بمعدل طفيف بلغت نسبته 0.7% ليصل إلى 21.3 مليار دينار كويتي في ظل تقليص الإنفاق الرأسمالي، بينما ارتفعت النفقات الجارية بنسبة 4.7% فيما يعزى جزئياً إلى الإجراءات المتعلقة بجائحة كوفيد-19.

وظلت احتياجات تمويل الميزانية مرتفعة في غياب موافقة البرلمان على إصدار قانون الدين العام الجديد (انتهت صلاحية القانون السابق في أكتوبر 2017)، أو القدرة على السحب من صندوق الأجيال القادمة.

وظل صندوق الاحتياطي العام هو المصدر الوحيد للتمويل، مع اقتراب سيولته من النفاذ.

تراجع الإيرادات نتيجة انخفاض أسعار النفط والتدابير الاحترازية لاحتواء الجائحة 

كما أدى الانخفاض الحاد الذي شهدته أسعار النفط وانخفاض الإيرادات غير النفطية (وإن كان بمعدلات بسيطة) بسبب تباطؤ النشاط الاقتصادي، مما أدى إلى زيادة عجز الميزانية، إذ تراجع إجمالي الإيرادات في السنة المالية 2020/2021 بنسبة 38.9% لتصل إلى 10.5 مليار دينار كويتي.

وانخفضت عائدات النفط والغاز، التي مثلت 83.6% من إجمالي الإيرادات، بنسبة 42.8%، فيما يعزى بصفة رئيسية إلى انهيار أسعار النفط (انخفض سعر خام التصدير الكويتي بنسبة 29.3% على أساس سنوي إلى 43.5 دولاراً للبرميل في المتوسط) وتراجع إنتاج النفط ( -13.7% إلى 2.34 مليون برميل يومياً) على خلفية خفض الأوبك وحلفائها لحصص الإنتاج (الرسم الباني 2).

من جهة أخرى، أثرت الجائحة على الإيرادات غير النفطية التي تراجعت بنسبة 6.5% إلى 1.7 مليار دينار كويتي. كما تأثرت الضرائب والرسوم إذ انخفضت بنسبة 10.6%، على أساس سنوي، وذلك بعد ضعف أداء الشركات المحلية والأجنبية بسبب تداعيات الجائحة والانخفاض الحاد في إيرادات رسوم الاستيراد بسبب انخفاض الواردات بشكل كبير (-15.8% في عام 2020).

واتبعت الإيرادات غير النفطية الأخرى نفس الاتجاه، إذ انخفضت بنسبة 2.6%، في ظل انخفاض إيرادات الكهرباء والمياه بنسبة 14.1% و8.0%، على أساس سنوي، على التوالي.

إضافة لذلك، بقيت التعويضات المدفوعة عن الغزو العراقي للكويت مستقرة نسبياً عند مستوى مليار دولار في السنة المالية 2020/2021 (حوالي 2.1 مليار دولار من تعويضات الحرب لا تزال مستحقة الدفع حتى نهاية يناير 2021).

ارتفاع إجمالي الانفاق نتيجة ارتفاع النفقات الجارية، وإن كان بوتيرة معتدلة

ارتفعت النفقات الجارية بوتيرة قوية بينما انخفض الإنفاق الرأسمالي بشكل حاد نظراً لتأثره سلباً بتقليص الحكومة للنفقات نتيجة لمشاكل توافر السيولة قصيرة الأجل.

إلا أنه على الرغم من ذلك، وبالنظر إلى زيادة النفقات الجارية (بنسبة 3.8% إلى 19.4 مليار دينار كويتي)، والتي تشكل الغالبية العظمي من الإنفاق (حوالي 91%)، فقد دفعت إلى ارتفاع إجمالي الإنفاق بنسبة 0.7% على أساس سنوي (إلى 21.3 مليار دينار كويتي) على الرغم من أنه جاء أدنى من مخصصات الموازنة التقديرية.

ويعزى سبب ارتفاع النفقات الجارية (الرسم البياني 3) في السنة المالية 2020/2021 إلى النفقات المرتبطة بالجائحة، إذ خصصت الحكومة 0.5 مليار دينار كويتي من أموال الطوارئ لدعم تدابير احتواء الجائحة، كما اعتمدت ملحق للموزانة بقيمة 0.6 مليار دينار كويتي لتسديد مكافآت الصفوف الأمامية.

وباستثناء هذين البندين، انخفضت النفقات الجارية فعلياً خلال العام الماضي بنحو 4.8% إلى 20 مليار دينار كويتي.

حاولت الحكومة تقليص النفقات الجارية غير المرتبطة بالأجور، إذ انخفضت مشتريات السلع والخدمات بنسبة 10% لتصل إلى 2.9 مليار دينار كويتي، بينما انخفضت تكلفة توليد الكهرباء وتقطير المياه بنسبة 11.3% إلى 1.4 مليار دينار كويتي مما يعكس جزئياً تراجع أسعار النفط والغاز، إضافة إلى تراجع توليد الكهرباء بنسبة 0.4% في عام 2020.

وباستثناء هذا البند، تراجعت المشتريات الحكومية للسلع والخدمات بنسبة 8.8% على أساس سنوي.

كما انخفضت تعويضات العاملين (38.1% من النفقات الجارية) بنسبة 1.8% إلى 7.4 مليار دينار كويتي، أي أقل من متوسط النمو للثلاث سنوات الماضية والبالغ 4.1%.

ومن المرجح أن يكون هذا التراجع انعكاساً لانخفاض رواتب الموظفين بعقود بنسبة -18.7% على أساس سنوي إلى 0.6 مليار دينار كويتي، فيما قد يعزى لمغادرة الوافدين للبلاد.

إضافة لذلك، انخفضت العلاوات والبدلات (التي تشكل 57.6% من بند تعويضات العاملين) بنسبة 0.4% لتصل إلى 4.3 مليار دينار كويتي.

إضافة لذلك، انخفض دعم الوقود إلى حد كبير على خلفية انخفاض أسعار النفط والاستهلاك المحلي، وتراجع الأخير بسبب الإجراءات الاحترازية المرتبطة باحتواء الجائحة بما في ذلك إغلاق المطار. كما تراجعت المنافع الاجتماعية بنسبة 11.7%، وانخفضت خدمات الرعاية الصحية في الخارج بنسبة 18.9% لتصل إلى 0.4 مليار دينار.

وفي المقابل، ارتفعت قيمة المنح (بما في ذلك التحويلات إلى المؤسسات العامة والهيئات المستقلة)، والتي تمثل 25.5% من إجمالي الإنفاق بنسبة 3.8%، في حين قفزت النفقات الجارية الاخرى في السنة المالية 2020/2021 بسبب الإنفاق المرتبط بالجائحة (تخصيص 0.5 مليار دينار للإنفاق واعتماد محلق للموازنة لصرف مكافآت الصفوف الأمامية بقيمة 0.6 مليار دينار كويتي).

أما الإنفاق الرأسمالي فقد تضرر بشدة وسط ترشيد الحكومة للنفقات في ظل شح السيولة والقيود المفروضة على التنقل مما أدى إلى تأخير أو إعادة تقييم أو إلغاء بعض المشاريع.

وانخفض الإنفاق الرأسمالي بنسبة 24.3% إلى 1.7 مليار دينار كويتي، أي أقل بنحو 75% عن مخصصات الموازنة التقديرية للعام بأكمله (الرسم البياني 4).

وأدى العجز المتراكم خلال السنوات السبع الماضية إلى استنفاد سيولة صندوق الاحتياطي العام تقريباً، إذ بلغ إجمالي السحوبات 41 مليار دينار كويتي منذ السنة المالية 2015/2016.

وكشفت تقارير ديوان المحاسبة مؤخراً عن تراجع صافي أصول صندوق الاحتياطي العام إلى 9.6 مليار دينار بنهاية عام 2020، كما انه بنهاية مارس 2021، وصلت السيولة المتاحة إلى حوالي 1.6 مليار دينار كويتي.

كما اتخذت الحكومة عدة إجراءات خلال السنة المالية 2020/2021 لتقليص معدل نفاذ سيولة الصندوق وضمان توافرها، من ضمنها وقف التحويلات إلى صندوق الأجيال القادمة ومقايضة الأصول مع صندوق الاحتياطي العام (حوالي 7.5 مليار دينار كويتي).

إلا ان ارتفاع أسعار النفط منذ بداية عام 2021 ساهم في تخفيف الضغوط التي يتعرض لها صندوق الاحتياطي العام.

ميزانية السنة المالية 2021/2022 تعتبر توسعية نسبياً، ولكن بدون إجراءات إصلاحية

ستؤدي ميزانية السنة المالية 2022/2021، التي اقرها مجلس الامة في يونيو الماضي، إلى حدوث فجوة تمويلية سيكون من الصعب سدادها دون ارتفاع الديون أو السحب من صندوق الأجيال القادمة.

ومن المتوقع أن يصل إجمالي الإنفاق إلى 23.0 مليار دينار كويتي أو أعلى بنسبة 6.9% عن ميزانية العام الماضي، مع زيادة 20% في مخصصات الإنفاق الرأسمالي إلى 3.5 مليار دينار كويتي وزيادة الإنفاق الجاري بنسبة 4.9%.

ومن المتوقع أن تزيد الإيرادات على الجانب الآخر هامشياً بافتراض وصول سعر النفط إلى مستوى 45 دولاراً للبرميل (في المتوسط) مع توقعات ببلوغ حجم الإنتاج 2.4 مليون برميل يومياً (في المتوسط).

وعلى هذا النحو، سترتفع الإيرادات النفطية إلى 9.1 مليار دينار كويتي بينما ستبقى الإيرادات غير النفطية عند مستويات متواضعة (1.8 مليار دينار كويتي).

ويقدر عجز الموازنة رسمياً بنحو 12.0 مليار دينار كويتي، إلا أن القرار الأخير الذي اتخذه مجلس الوزراء بخفض الإنفاق بنسبة 10% على الأقل، من المتوقع أن ينخفض العجز إلى 9.7 مليار دينار.

وعلى الرغم من ذلك، نتوقع ارتفاع أسعار النفط في نهاية المطاف عن السعر المفترض في الميزانية مما سيؤدي إلى انخفاض العجز ليصل إلى حوالي 5.2 مليار دينار أو ما نسبته 13.1% من الناتج المحلي الاجمالي.

وعلى الرغم من أن العجز المسجل في هذه السنة المالية قد يصل إلى مستوى أقل بشكل ملحوظ عن المستويات المسجلة العام الماضي، إلا ان تمويل هذا العجز لا يزال يمثل تحدياً في غياب إقرار البرلمان لقانون الدين العام الجديد أو عدم الوصول إلى مصادر تمويل بديلة.

إضافة لذلك، يتعين على الحكومة سداد نحو 1.1 مليار دينار في شكل سندات مستحقة الدفع في مارس المقبل.

ومع استنفاد أصول صندوق الاحتياطي العام تقريباً، بات من الضروري تمرير قانون الدين العام الجديد، إذا لم يتم استغلال موارد صندوق الأجيال القادمة.

ونرى من وجهة نظرنا انه يجب أن يكون استخدام موارد صندوق الأجيال القادمة هو الملاذ الأخير الذي يجب أن يكون مؤقتاً ومرتبطاً باستراتيجية تمويل واضحة ومستدامة.

وسيتطلب هذا بالتأكيد، من منظور طويل الأجل، إصلاحات مالية جوهرية تشمل جانبي الإيرادات والنفقات.

والسؤال الذي يطرح نفسه حالياً هو ما إذا كان مجلس الأمة سيقر قانون الدين العام الجديد أو يقوم بتمرير الإصلاحات المالية الجوهرية، والتي من شأنها أن تجعل الميزانية أقل عرضة لأسعار النفط. إلا ان قيام وكالة ستاندرد آند بورز بخفض التصنيف الائتماني السيادي لدولة الكويت للمرة الثانية في أقل من عامين قد يوفر الحافز المطلوب لإجراء مثل تلك الإصلاحات.

وقد يؤدي المزيد من التأخير في إصدار قانون الدين العام الجديد أو التوصل لإجراءات تمويل بديلة إلى خفض التصنيف الائتماني للكويت مجدداً. ويعتبر توثيق التعاون بين الحكومة ومجلس الأمة من الخطوات الجوهرية لتسريع وتيرة عملية الإصلاح ووضع المالية العامة على مسار أكثر استدامة.



Web Design & SEO by WebVue