على الرغم من أن البشر يحصون دائما خسائر وأضرار الحروب بعدد القتلى والجرحى بين الجنود والمدنيين وبما تم تدميره من مدن وسبل الحياة فإن البيئة تبقى في كثير من الأحيان ضحية غير معلنة لها إذ يتم تدميرها والتسبب بأضرار فادحة لها من قبيل حرائق المحاصيل والغابات وتلويث آبار المياه والتربة وقتل الحيوانات بغية تحقيق مكاسب عسكرية.
وبمناسبة إحياء اليوم العالمي لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات العسكرية الذي يصادف السادس من نوفمبر من كل عام وفق ما اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة يمكن القول إن كارثة الغزو العراقي للكويت عام 1990 تعد أبلغ مثال على ذلك بسبب بطش النظام العراقي البائد بكل الكويت ومنها بيئتها وطبيعتها التي عمد الى حرق آبار النفط وتخريب كل أشكال الجمال فيها من زراعات ومساحات خضراء ومحميات بل وحتى مناطق البر لم تسلم من ألغامه القاتلة.
لكن الكويت وبعزيمة قيادتها وشعبها استطاعت التغلب على آثار العدوان وترميم بيئتها والنهوض بها من جديد بالعمل الجبار بآخر التكنولوجيات والوسائل الحديثة بل وأقرت القوانين والتشريعات التي تجرم اي شكل من أشكال التعدي على البيئة وتفرض غرامات باهظة على مرتكبيها باعتبار البيئة قيمة حضارية وثروة لا تعوض ينبغي المحافظة عليها.

وبهذه المناسبة قالت مدير ادارة المحافظة على التنوع الاحيائي في الهيئة العامة للبيئة لينا العوضي لوكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم الجمعة ان للحروب والنزاعات العسكرية آثارا وأضرارا كبيرة ومتعددة لا تقتصر على حصد أرواح البشر وتدمير ممتلكاتهم واقتصادهم فحسب بل يصل ضررها الى البيئة بأكملها وما تحويه من عناصر ومكوناتها الصخرية والمائية والجوية والحيوية ولا تتعافى البيئة من هذه الأضرار بسرعة بل تحتاج إلى وقت طويل وبذل جهد كبير وخسائر اقتصادية لإعادتها إلى حالتها الطبيعية.
وأضافت العوضي أن الغزو العراقي الغاشم الذي امتد من بداية أغسطس 1990 حتى نهاية فبراير 1991 ألقى بظلاله على بيئة دولة الكويت بمختلف عناصرها موضحة ان أبرز الأضرار التي أثرت في التربة هي تدمير التربة السطحية وزراعة الألغام والبحيرات النفطية فالآليات الثقيلة تدمر التربة السطحية وما تحتويه من نباتات فطرية ومواد عضوية مما يؤدي إلى فقدان التنوع البيولوجي وتدمير الحياة البيولوجية في البيئة البرية.
وذكرت ان القوات العراقية زرعت ما يقارب مليوني لغم في صحراء وسواحل الكويت وهناك عدد منها في صحراء الكويت ويكمن خطرها في أنها قد تكون مخفية تحت الكثبان الرملية اذ يمتاز مناخ الكويت بالعواصف الرملية والترابية وينتج عن ذلك احتكاك للرمال ما يؤدي إلى تولد شحنات كهروستاتيكية تؤدي إلى الانفجار الذاتي للألغام ويحصل كذلك الانفجار الذاتي نتيجة لارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف.
واكدت ان انفجار الألغام يؤدي إلى خسائر بالأرواح بالإضافة الى تلوث التربة وتغير خصائصها الطبيعية والكيميائية والبيولوجية وفقدان التنوع البيولوجي والغطاء النباتي وتغيير الملامح الطبوغرافية كما أن تطهير الأرض من الألغام المزروعة عملية يصاحبها ضرر بيئي تتمثل في إزالة الغطاء النباتي وعمليات الحفر ما يؤدي إلى تفتيت التربة السطحية.
وقالت ان للقوات العراقية يد في البحيرات النفطية التي تشكلت على مساحة تقدر بأكثر من 114 كيلو متر مربع والتي كانت نتيجة لتفجير القوات العراقية أكثر من 700 بئر نفطية ما أدى إلى تسرب النفط الخام فوق الأراضي الكويتية وتراكمت هذه البحيرات في منخفضات المناطق الصحراوية فأصبح 40 مليون متر مكعب من التربة ملوثا.
واوضحت ان البحيرات النفطية ادت إلى تغيير في خصائص التربة وتدمير مساحات زراعية وفقدان الحياة البيولوجية كما أن البحيرات تسرب النفط منها إلى الطبقات الصخرية للمياه العذبة في دولة الكويت مبينة ان هذه البحيرات تحتوي على رواسب نفطية مخلوطة مع الطين وتحتاج إلى مبالغ كبيرة لاستصلاح التربة وإعادة تأهيلها.

من جانبها قالت رئيسة مجلس إدارة الجمعية الكويتية لحماية البيئة الدكتورة وجدان العقاب ل(كونا) انه بهذه المناسبة نستذكر تبني أمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد طيب الله ثراه لمبادرة المجتمع المدني الكويتية بمنع استخدام البيئة في الحروب والذي لولا سعيه الدبلوماسي ما خرج القرار الأممي قبل 21 عاما وما كنا نحتفل اليوم وما انتفضت البيئة في أي مكان بالعالم ضد الصراعات العسكرية.
وأوضحت العقاب أنه عندما أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماعها في الخامس من نوفمبر عام 2001 يوم 6 نوفمبر من كل عام يوما دوليا لمنع استخدام البيئة في الحروب والنزاعات العسكرية جاء نتيجة اجماع اكثر من 50 دولة بالموافقة على مشروع القانون الذي قدمته دولة الكويت للأمانة العامة للأمم المتحدة ووافقت عليه الأمم المتحدة وفقا لمبادرة منظمات مدنية كويتية في طليعتها جمعية حماية البيئة لما لمسته من أهمية وضرورة ملحة وانتصارا للحق والمطلب الكويتي العادل جاء هذا القرار بعدما أصبحت البيئة ضحية أولى ومباشرة للحروب.
واضافت أن المجتمع المدني اجتهد وسعى لإثبات الضرر وأهمية تسجيل موقف أممي ضد التجاوز على البيئة واستخدامها كسلاح ضد البشرية وبمساندة دبلوماسية كويتية وافق المجتمع الدولي أن يحدد اليوم الوطني لذكرى إطفاء آخر بئر مشتعل في السادس من نوفمبر ليكون اليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والنزاعات العسكرية.
واشارت العقاب الى انه لم يتم اختيار هذا اليوم تخليدا لمناسبة وطنية في دولة الكويت بل تمت الموافقة عليه للمنفعة العامة ليستذكروا حجم التلوث الذي يصيب البيئة نتيجة الحروب ولتسليط الضوء على ما رصد حول الاقليم وفي داخله وحجم الجهود التي بذلت في الاقليم لاطفاء الابار وايقاف التلوث العابر للحدود ووقف استنزاف مستقبل الاجيال القادمة وحماية الموارد الطبيعية.
وذكرت انه من أجل الكويت أصبح إطفاء آخر بئر نفطية مشتعلة يوما عالميا لمنع استخدام البيئة في الحروب والنزاعات العسكرية فقبل نحو 21 عاما بادرت الجمعية بمبادرة للفت الانتباه لحاجتنا منع استخدام البيئة في الحروب وذلك بعدما تضررت جميع مكوناتها وموائلها جراء الغزو العراقي لبلدنا.
وبينت ان (اليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب) جاء بمبادرة الدبلوماسية الكويتية لتنطلق به في عالم الدبلوماسية الدولية والفضاء الأممي لتتألق جهودها بقرار أممي دولي وهو اعتبار يوم السادس من نوفمبر يوما أمميا لمنع استخدام البيئة في الحروب والنزاعات العسكرية ليسجل القرار انتصارا كويتيا.
وقالت انه “لا أحد ينسى بأن دولة الكويت شهدت أكبر كارثة بيئية في تاريخنا الحديث إبان الغزو العراقي حيث قامت قوات الاحتلال قبل انسحابها من الكويت بتدمير ما يقارب من 1037 بئرا نفطيا وذلك عن طريق تفجيرها ما أدى إلى احتراق أكثر من 700 بئر كانت تنفث سمومها في الهواء بما قدر في ذلك الوقت بحوالي 150 طنا من الملوثات الجوية شكلت أضرارا جسيمة على الصحة العامة بالإضافة إلى تلوث البيئة برا وبحرا وقدرت خسائر القطاع النفطي في ذلك الوقت بحوالي 75 مليار دولار.
واكدت ان الكويت بذلت ولاتزال جهودا جبارة لإصلاح الأضرار البيئية الهائلة التي نجمت عن الحرائق النفطية حيث سعت مجموعة تأهيل التربة وفرقها إلى إعادة تأهيل البيئة الكويتية وإعادة استخدام أو تدوير النفايات النفطية وإصلاح التربة الملوثة لتحقيق معدلات إنتاج مستدامة ورفع مستوى الوعي العام بأهمية الحفاظ على البيئة.
وافادت بأن الجمعية دأبت خلال السنوات الخمس الاخيرة على تنظيم احتفالية سنوية كبرى بهذه المناسبة سعيا منها للتعريف بهذا اليوم ولتكريم النخب الوطنية المشمولة بجهودها الطيبة في مجال العمل على اعادة التعافي البيئي.

وبدوره قال رئيس جمعية المياه الكويتية الدكتور صالح المزيني في تصريح مماثل ل(كونا) ان جيش الاحتلال دمر أغلب محطات القوى الكهربائية ما أدى الى تعطيل عمل محطات التحلية المائية وتوقف خدمة المياه كما قام بسرقة ومصادرة معظم الأجهزة والمعدات الحيوية في محطات التحلية ما أدى أيضا الى تعطيلها لفترات طويلة.
وأوضح الدكتور المزيني انه بعد التحرير ولحرص القيادة والحكومة الكويتية على استمرار الخدمة وبتضافر جهود الشباب الكويتي العاملين في محطات التحلية في تلك الفترة لتزويد المواطنين بالماء الصالح للشرب تم تأجير بواخر عملاقة حملت الماء من دول الخليج الى الكويت بالإضافة الى أسطول من صهاريج المياه المتجولة لتوزيع المياه على المواطنين لحين إصلاح النظام المائي الذي عطلته الحرب.
واضاف ان الشعب الكويتي عمل على إعادة تشغيل خدمات قطاع المياه في الدولة حيث كان الجميع يتعاون لتشغيل الشبكة المائية وأعادتها الى ما كانت عليه كما قامت الدولة على فحص المياه في الخزانات للتأكد من سلامة المياه وعدم وجود أي مواد سامة فيها إلا أن العائق الكبير في عدم تشغيل الشبكة كان انقطاع الكهرباء بسبب تدمير بعض محطات القوى الكهربائية نتيجة للحرب.
وذكر ان محطتي (الشويخ )والشعيبة) تم تدميرهما بالكامل بينما محطات (الدوحة) الشرقية والغربية والزور الجنوبية دمرت جزئيا أما محطات (التحويل والخطوط الهوائية) فقد دمر جزء كبير منها بسبب الأعمال الحربية أثناء عملية التحرير حيث تم تشغيل الشبكة الكهربائية بعد حوالي ثلاثة أسابيع من التحرير وبعدها تم تشغيل الشبكة المائية.
واكد المزيني حرص الكويت على تزويد المياه السليمة للمواطنين والمقيمين حيث قامت باستئجار طائرة كبيرة كمختبر طائر وعلى متنها فريق متكامل من الفنيين والخبراء المتخصصين في المواد السامة بهدف فحص المياه في خزانات المخزون الاستراتيجي للتأكد من عدم حقنها بمواد كيميائية مضرة.
واضاف انه تم القيام بجمع عينات من خزانات المياه الأرضية في (الزور وميناء عبدالله والمطلاع وغرب الفنطاس) وإحضارها الى الطائرة المختبر لإجراء عمليات الفحص عليها وبأنها ما زالت صالحة للشرب قبل ضخها في الشبكات مشيرا الى انه تم خلال تلك الفترة الطلب من استخدام المياه في الاسبوع الاول من التحرير لحين التأكد من سلامة المياه.
واوضح انه بعد التحرير تضافرت جهود أبناء الكويت وتلاحقت الإنجازات في قطاع المياه من خلال وزارة الكهرباء والماء حيث تم إنشاء محطة (الصبية) عام 1998 ومحطة (الشعيبة) الشمالية عام 2009 ومحطة (شمال الزور) عام 2016 وتتم عملية التحلية فيها بأحدث التكنولوجيا العالمية وقد وصلت الوزارة الآن وبفضل جهود العاملين حيث سجلت الكويت إنجازات عملاقة وحصلت على المركز الأول عربيا والسادس عالميا في جودة مياه الشرب.