×
×

توتر في بيروت غداة اشتباكات عنيفة ذكرت بسنوات الحرب الأهلية

س
س

تلملم بيروت جراحها الجمعة، غداة اشتباكات عنيفة أتت على وقع توتر سياسي مرتبط بمسار التحقيق في انفجار المرفأ، بينما يتحضر حزب الله وحليفته حركة أمل لتشييع سبعة قتلى، غالبيتهم من عناصرهما، سقطوا خلال المواجهات في منطقة شكلت خط تماس خلال سنوات الحرب الأهلية الأليمة.

وشهدت بيروت الخميس واحدة من أعنف المواجهات الأمنية منذ سنوات في تصعيد خطير يُنذر بإدخال البلاد في أزمة جديدة بعد أكثر من شهر فقط على تشكيل حكومة يفترض أن تركز نشاطها على وضع خطة لإخراج البلاد من دوامة الانهيار الاقتصادي المتحكمة بها منذ أكثر من عامين.

ويسيطر منذ مساء الخميس هدوء على منطقة الاشتباكات وسط انتشار كثيف للجيش اللبناني، ونصبه حواجز تفتيش للسيارات والآليات العابرة. وانهمك سكان بتفقد الأضرار التي طالت ممتلكاتهم، فيما عمل آخرون على إزالة الزجاج المتناثر في الشارع.

والخميس تحولت مستديرة الطيّونة، على بعد عشرات الأمتار من قصر العدل، حيث مكتب المحقق العدلي طارق بيطار المكلف تحقيق الانفجار، الى ساحة حرب شهدت اطلاق رصاص كثيف وقذائف ثقيلة وانتشار قناصة على أسطح ابنية، رغم تواجد وحدات الجيش وتنفيذها انتشارا سريعاً في المنطقة، التي تعد من خطوط التماس السابقة خلال الحرب الأهلية (1975-1990).

حين بدأت الاشتباكات، هرعت جومانا زباني (45 عاماً) إلى الشارع لتأتي بطفلتيها (8 و6 سنوات) من المدرسة. وتقول “الطلقات كانت قريبة جداً، اختبأنا خلف السيارات وفي مداخل الأبنية حتى وصلنا إلى المنزل”. وأضافت لوكالة فرانس برس “حين وصلنا إلى المنزل، قالت لي ابنتي: ماما، قلت لي أن ذلك لن يحدث مجدداً” إذ أن ابنتها تلقت لعام كامل علاجاً نفسياً بعد صدمة انفجار مرفأ بيروت المروع في الرابع من آب/أغسطس 2020. وتابعت جومانا “هذا أيضاً ما كان يحصل أسبوعياً خلال 15 عاماً في الحرب الأهلية”.

وأسفرت الاشتباكات التي لم تتضح ملابساتها حتى الآن عن مقتل سبعة أشخاص، بينهم شاب توفي الجمعة متأثراً بإصابته، بحسب وزارة الصحة اللبنانية. وبين القتلى أيضاً امرأة، لديها خمسة أبناء وبنات، أصيبت بطلق ناري في رأسها أثناء تواجدها في منزلها.

وأصيب كذلك 32 شخصاً آخرين بجروح.

ونعت حركة أمل، أحد أبرز الأحزاب التي شاركت في الحرب الأهلية ويتزعمها رئيس مجلس النواب نبيه بري، ثلاثة من عناصرها، كما دعا حزب الله، القوة العسكرية والسياسية الأبرز في البلاد، بعد الظهر لتشييع عنصرين إضافة إلى المرأة في الضاحية الجنوبية لبيروت.

وبعد انتهاء الاشتباكات، أعلن الجيش أنه “أثناء توجّه عدد من المحتجين إلى منطقة العدلية للاعتصام، حصل اشكال وتبادل لإطلاق النار في منطقة الطيّونة- بدارو”، بعدما كان أعلن في وقت سابق عن تعرض محتجين لرشقات نارية أثناء توجههم إلى قصر العدل.

وأعلن وزير الداخلية بسام مولوي بدوره أن “الإشكال بدأ باطلاق النار من خلال القنص”، الذي طبع مرحلة الحرب الأهلية، التي أنهكت جيلاً كاملاً من اللبنانيين، خصوصاً سكان خطوط التماس.

واتهم حزب الله وحركة أمل “مجموعات من حزب القوات اللبنانية”، أبرز الأحزاب المسيحية التي شاركت في الحرب الأهلية ويعد اليوم معارضاً شرساً لحزب الله، بـ”الاعتداء المسلح” على مناصريهما.

واعتبر حزب القوات اتهامه “مرفوضا جملة وتفصيلاً”، متهماً عناصر من الحزبين بـ”الدخول إلى الأحياء الآمنة”.

وبالإضافة إلى ذكريات الحرب الأهلية، أعادت الاشتباكات إلى الأذهان ما حصل في أيار/مايو 2008 حين تطورت أزمة سياسية في لبنان الى معارك في الشارع بين حزب الله والأكثرية النيابية في ذلك الحين بزعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. وسيطر خلالها حزب الله لأيام عدة على القسم الأكبر من الشطر الغربي لبيروت. وتوصلت الأطراف السياسية لاحقاً إلى تسوية خلال لقاء في الدوحة.

ومع اعلان الحكومة الجمعة يوم حداد رسمي قبل عطلة نهاية الأسبوع التي يعقبها الاثنين إغلاق لمناسبة عيد المولد النبوي الشريف، لن يكون بمقدور بيطار تحديد مواعيد لاستجواب ثلاثة وزراء سابقين هم نواب حاليون قبل الثلاثاء.

ويرفض حزب الله وحركة أمل، وفق مصادر سياسية، أن تعقد الحكومة أي جلسة ما لم تكن مخصصة للبحث في الموقف من المحقق العدلي في انفجار المرفأ الذي أودى بحياة نحو 215 شخصاً وإصابة 6500 آخرين.

وتُعد هذه أول أزمة سياسية تواجهها حكومة ميقاتي منذ تشكيلها في 10 أيلول/سبتمبر في وقت يفترض أن تنكب على إيجاد حلول للانهيار الاقتصادي المستمر في البلاد منذ أكثر من عامين. ويقع على عاتقها استئناف مفاوضات مع صندوق النقد الدولي كما التحضير للانتخابات النيابية المزمع عقدها في أيار/مايو المقبل.

وتنتقد قوى سياسية عدة مسار التحقيق العدلي، لكن حزب الله وحليفته حركة أمل يشكلان رأس حربة هذا الموقف الرافض لعمل المحقق العدلي في قضية انفجار عزته السلطات الى تخزين كميات كبيرة من نيترات الأمونيوم بلا تدابير وقاية. وتبين أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة.

وظهر الخلاف داخل الحكومة الثلاثاء مع إصرار نواب حركة أمل وحزب الله على تغيير المحقق العدلي مهددين باللجوء إلى الشارع، وجاء ذلك بعد إصداره مذكرة توقيف غيابية في حق وزير المالية السابق والنائب الحالي عن حركة أمل علي حسن خليل.

ومنذ ادعائه على رئيس الحكومة السابق حسان دياب ونواب ووزراء سابقين، بينهم نائبان عن حركة أمل، ومسؤولين أمنيين، يخشى كثيرون أن تؤدي الضغوط السياسية إلى عزل بيطار على غرار سلفه فادي صوان الذي نُحي في شباط/فبراير بعد ادعائه على مسؤولين سياسيين.



Web Design & SEO by WebVue