تترقب الأوساط السياسية في لبنان إمكانات المضي قدما في خوض مفاوضات من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي مع إبداء الرئيس اللبناني جوزاف عون استعدادا لاتخاذ هذه الخطوة وسط عدم تلقي بيروت جوابا على هذا المقترح حتى الآن إلى جانب استمرار اعتداءات الاحتلال على الجنوب.
وفي الآونة الأخيرة أعلن الرئيس اللبناني استعداد لبنان للمفاوضات من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي قائلا “إن الحرب لم تؤد إلى أي نتيجة” من دون أن يكشف شكل التفاوض وزمانه ومكانه بقوله إن ذلك “يحدد لاحقا”.
وأتت مواقف الرئيس اللبناني بعد الاتفاق على إيقاف إطلاق النار في قطاع غزة إذ اعتبر أن الوضع السائد في المنطقة يسير نحو التفاوض لإرساء السلام والاستقرار وأنه “بالحوار والتفاوض يمكن الوصول إلى حلول” ولا يمكن للبنان أن يكون “خارج المسار القائم في المنطقة وهو مسار تسوية الأزمات”.
وفي ظل تأكيد الرئيس اللبناني موقف لبنان بالاستعداد للتفاوض يبقى السؤال حول طريقة التفاوض ومدى استعداد الطرف الآخر المتمثل بالاحتلال الإسرائيلي للتجاوب إذ أنه لم يسلم رده على الطرح اللبناني وفق ما أعلنه عون.
وفي هذا الإطار قال وزير الخارجية اللبناني الأسبق فارس بويز الذي مثل لبنان في مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991 لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) إن أمر التفاوض “ضروري لا مفر منه للبنان لإنهاء حالة الحرب مع الاحتلال الإسرائيلي ومن ثم لإطلاق عجلة الدعم الدولية الاقتصادية والمالية”.
ولفت بويز إلى أن المطلوب في التفاوض قبل الذهاب باتجاهه أن تكون معالمه واضحة وهذا يتطلب مسبقا “التوافق بين اللبنانيين ووجود وسيط أو راع قادر وعادل يشرف على الضمانات التي تنتج عن المفاوضات”.
وشدد على أن توفر هذه الشروط أمر ضروري لا سيما “أن التوازن في المنطقة غائب في ظل هيمنة الاحتلال واستباحته حدود الدول وسيادتها”.
من جهته رأى رئيس دائرة الدراسات السياسية والدولية في الجامعة اللبنانية الأمريكية الدكتور عماد سلامة في تصريح مماثل ل(كونا) أن خيارات لبنان في المرحلة الحالية “محدودة” فهو “لا يمتلك قدرات عسكرية ولا اقتصادية للمواجهة وبالتالي المفاوضات هي سبيله لإيقاف الحرب” مشيرا إلى أن نجاح الأمور يقف على كيفية دخول المفاوضات وإدارتها.
وشدد سلامة على أن تحديد إدارة المفاوضات وأهدافها “عامل حاسم في نجاحها” وهو يحدد إذا ما كانت هناك إمكانية للخروج من الأزمة أو تعميقها لأن “فشل المفاوضات وهو احتمال مطروح يعني عودة الحرب وهذا لا يخدم لبنان ومصلحته”.
وعدد الخبير في الشؤون الدولية الشروط التي يرى وجوب توفرها لإدارة المفاوضات ويتمثل أولها بتأمين “اتفاق لبناني سياسي وطني شامل” للدخول في المفاوضات ووضع سقف للمطالب اللبنانية يحدد الخطوط التي لا يمكن التراجع عنها.
وأوضح أن ثاني هذه الشروط هو “توفر راع عربي يدعم لبنان ويؤمن له ضمانات تنفيذ الاتفاق وإعادة الإعمار” موضحا أن دخول لبنان المفاوضات منفردا يجعل موقفه “ضعيفا” فيما أشار إلى أن الشرط الثالث يكمن في “توفر مناخ إقليمي غير معرقل للتفاوض”.
واعتبر سلامة أن وجود لجنة مراقبة إيقاف الأعمال العدائية (الآلية) يمكن أن يشكل الأداة والإطار لسير المفاوضات إذا ما أضيف إلى أعضائها مدنيين من خبراء ودبلوماسيين.
وفي شأن ذلك كان الرئيس عون قد أوضح أن الآلية المشتركة المعنية بالحدود “يمكن تفعيلها وإضافة أعضاء إليها إذا اقتضى الأمر”.
وتشكلت لجنة مراقبة إيقاف الأعمال العدائية (المعروفة بالآلية) بعد التوصل لاتفاق إيقاف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في ال27 من نوفمبر 2024 وذلك بعد توسع الحرب في لبنان في سبتمبر من العام نفسه بشن الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية عنيفة على مختلف المناطق اللبنانية متسببة بمقتل الآلاف من الأشخاص ونزوح مئات آلاف آخرين.
وتتكون اللجنة من عسكريين ممثلين عن الولايات المتحدة (رئيسا) وفرنسا وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) وعن الجانبين اللبناني والإسرائيلي وتعقد اجتماعاتها في مقر (يونيفيل) في بلدة (الناقورة) الساحلية الحدودية جنوب لبنان.
وحول عملية التفاوض كان الرئيس عون قد شدد في مواقف عدة على أن “أي تفاوض لا يكون من جانب واحد بل يحتاج إلى إرادة متبادلة” وأن هذا التفاوض “يحتاج إلى مناخات ملائمة أبرزها إيقاف الأعمال العدائية وتحقيق الاستقرار في الجنوب”.
وقال عون “لسنا من دعاة حروب لأننا جربناها وتعلمنا منها العبر لذلك نريد إعادة الاستقرار إلى لبنان بدءا من جنوبه” مؤكدا أن خيار التفاوض هو “لاسترجاع أرضنا المحتلة وإعادة الأسرى وتحقيق الانسحاب الكامل من التلال” التي تحتلها قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى الطرف الآخر قابل الاحتلال الإسرائيلي طرح لبنان بالتفاوض بمزيد من الاعتداءات على لبنان في الجنوب والبقاع وارتفاع منسوب التصعيد.
وفي موازاة ذلك ذكر أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الدكتور وليد صافي ل(كونا) أن عون “طرح فكرة التفاوض غير المباشر عبر (الآلية) بالتوافق مع رئيسي مجلسي النواب نبيه بري والوزراء نواف سلام”.
وأشار إلى أن الهدف من هذه المفاوضات تطبيق اتفاق إيقاف الأعمال العدائية الذي دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر 2024 ولم يلتزم به الاحتلال الإسرائيلي حتى الآن وصولا إلى إيقاف إطلاق نار دائم وتحقيق الانسحاب من الأراضي اللبنانية التي يحتلها الاحتلال وإعادة أسرى لبنان المحتجزين لديه.
ولفت إلى أن الاحتلال الإسرائيلي لم يرد بالإيجاب على طرح الرئيس عون ويستمر باعتداءاته التي تتصاعد وتيرتها في الأيام الأخيرة “للضغط على لبنان ربما لإجباره على الذهاب باتجاه مفاوضات تنتهي باتفاق يتضمن ترتيبات أمنية طويلة الأمد وربما إلى أبعد من ذلك كاتفاق سلام”.
وقال صافي في الوقت نفسه إن رفض طرف لبناني أساسي للتفاوض وحصر السلاح “جاء مفاجئا ويوحي بعدم وجود توافق إقليمي شامل مسهل للتفاوض”.
غير أن لبنان يشدد عبر رئيس الجمهورية على أن “الموجة الحالية من التسويات الإقليمية تستوجب اعتماد الدبلوماسية سبيلا لحل النزاعات” ويؤكد أن “القرار بالحرب أو التفاوض شأن سيادي تتخذه الحكومة اللبنانية حصرا”.
° 23.6 