- كويت نيوز - https://kuwaitnews.com -

كويت نيوز في ضيافة المؤرخ اليهودي آفي شلايم – الجزء الثاني: حرب غزة وتداعياتها على المنطقة والداخل الفلسطيني

أجرى المقابلة حسين سنا في ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ في أوكسفورد – المملكة المتحدة

نكمل في هذه المقابلة مع البروفيسور آفي شلايم الحديث حول القضية الفلسطينية وجبهتها الأخرى المتمثلة في الكيان الصهيوني، وما آلت إليه التطورات اليوم مع معركة طوفان الأقصى وحرب غزة وتداعياتها، خصوصا أنها طالت جبهات أخرى أدت إلى تغييرات في لبنان وسوريا وباقي المنطقة.

ما الذي تبقى من القضية الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر، أو بعد مرور أكثر من عام على السابع من أكتوبر؟ يرى الكثيرون أن حماس قد تم تحجيمها وتم القضاء على قيادة حزب الله، هناك ضربات في سوريا.

لقد كانت هجوم حماس على إسرائيل مصدرًا لعواقب جيوسياسية بعيدة المدى، تتجاوز حدود إسرائيل والأراضي المحتلة، فقد هز هذا الهجوم المجتمع الإسرائيلي، يخشى الإسرائيليون أنهم يواجهون تهديدًا وجوديًا، وأن مستقبلهم بأسره مهدد، ولذلك ردت إسرائيل بوحشية هائلة هي الأولى من نوعها ضد هجوم حماس، لكن عليك أيضًا أن تنظر إلى الحكومة في إسرائيل برئاسة نتنياهو، إنها الحكومة الأكثر تطرفًا، حيث تحتوي على سياسيين متطرفين مثل إيتمار بن غفير، زعيم حزب “القوة اليهودية”، وبتسلئيل زعيم الصهيونية الدينية، هؤلاء سياسيون قوميون متطرفون، يؤمنون بالمسيح الدجال، وبالتفوق اليهودي، الحكومة الحالية هي الحكومة الأكثر يمينية وقومية وعنصرية بشكل علني، و تعمل من منطلق التفوق والاستعلاء اليهودي على بقية الأعراق.

ولذلك استغلت هذه الحكومة هجوم حماس لدفع برنامجها القائم مسبقًا، وهو التطهير العرقي لفلسطين، هذا ما قاله سموترتش وبن غفير دائمًا، قبل هجوم حماس، قالوا إن الضفة الغربية يهودية وجزء من أرض إسرائيل، وقد قاموا بتنفيذ خطط التطهير العرقي في الضفة الغربية، ومنذ بداية الحرب قاموا بتكثيف الاستيطان الاستعماري والتطهير العرقي في الضفة الغربية. 

والهدف المعلن هو ضم الضفة الغربية رسميًا في النهاية، لذا فإن هذه الحكومة لا تسمح بأي حقوق وطنية فلسطينية، وهي مستعصية في الوقوف ضد إعلان دولة فلسطينية، وفي غزة ذهبت إسرائيل في عملياتها إلى ما هو أبعد من جميع الهجمات العسكرية السابقة، هذه المرة كانت هناك تدميرات شاملة وغير مسبوقة، حيث قتل حوالي 45,000 شخص حتى الآن، وقُتل حوالي 17,000 طفل، تم تدمير 70٪ من المساكن والبنية التحتية المدنية.

لذا فإن إسرائيل قد حققت هدفها غير المعلن، وهو جعل غزة غير قابلة للسكن، وكانت الأجندة منذ البداية هي التطهير العرقي وتقليص عدد سكان غزة ودفعهم إلى شمال سيناء، وقد قاومت مصر ذلك، ولكن هذه هي الأجندة، فإسرائيل في حالة هجومية على جميع الجبهات، ومدت الصراع من غزة إلى لبنان لفرض هزائم ثقيلة على حزب الله، ولإزالة قيادة المنظمة، ولضرب بنيتها التحتية، ولكن هذه هي نجاحات تكتيكية، ولا توفر لإسرائيل حلاً للصراع.

يبدو وكأن الهزيمة التي حدثت في عام 1967 تتكرر مرة أخرى، ولكن هذه المرة مع المحور الإيراني. وعند العودة إلى الفلسطينيين، يبدو أن الناس العاديين لا يريدون سوى أن تنتهي هذه الحرب.

والآن تمت الثورة السورية، وإسرائيل استغلت الفرصة هناك فغزت وضمت المنطقة العازلة التي تم إنشاؤها في سوريا في عام 1974 بعد حرب أكتوبر 1973، استولت إسرائيل على المنطقة العازلة مع سوريا وأصبحت تحت السيطرة الإسرائيلية. وانتقلت إسرائيل إلى أراضٍ سورية أبعد، وهي تحتل الأراضي السورية، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية العسكرية السورية، البحرية والجوية وغيرها.

لذا، فإن إسرائيل تسير في طريقها، لقد حققت الكثير من النجاحات التكتيكية، حققت الكثير من النجاحات في قتالها ضد محور المقاومة، أي الوكلاء الإيرانيين، حماس، حزب الله، الحوثيين، والمليشيات الإيرانية في سوريا وإيران، ولكن إلى أين ستصل إسرائيل؟ كيف ستتمكن إسرائيل من تحقيق الأمن إذا استمرت في استخدام القوة العسكرية المفرطة فقط بدلاً من معالجة ما هو صراع سياسي في أساسه؟

آفي شلايم في مكتبته الشخصية متصفحا العدد الأول من صحيفة كويت تايمز الصادر في ١٩٦١

يرى بعض العرب اليوم أن سوريا لا تملك الإرادة والقوة لخوض صراع آخر، لبنان يعاني في اقتصاده ونصف سكانه أو أكثر لا يريدون حربًا أخرى، الناس بشكل عام لا يريدون حربًا أخرى. 
والمقاومة المسلحة ضد إسرائيل قد تم تقويضها بشكل كبير، وإن لم تتمكن إسرائيل من حل الصراع لصالحها في الوقت الحالي، فعلى الأقل تمكنت من كسب 10 أو 20 عامًا أخرى حتى يظهر محور آخر يعاديها ويحاربها، إذا حدث ذلك يومًا ما.

الفلسطينيون لن يختفوا، وأكثر من 5 ملايين فلسطيني في غزة والضفة الغربية لن يذهبوا إلى أي مكان، إسرائيل تحاول دفعهم للرحيل لكن لا يمكنك التخلص من 5 إلى 6 مليون شخص، لا يمكن لإسرائيل أن تدير ظهرها للشعب الفلسطيني وتستمر في حياتها، عليها أن تجد حلًا للمشكلة الفلسطينية وليس لديها حل.

نتنياهو ومن على شاكلته ليسوا صانعي سلام بل هم مناصرو الصراع الدائم، لذلك ما تحتاجه إسرائيل حقًا لكي تحقق إمكانياتها وتزدهر هو السلام مع الفلسطينيين، هذا هو الصراع الأساسي في المنطقة وليس لديها أي حل فعال لهذه المشكلة،  ولذا فهي لن تتمكن من العيش في سلام وأمان.

على العكس، فقتل 17,000 طفل في غزة سيخلق جيلًا جديدًا من الفلسطينيين الذين يشعرون بالمرارة والغضب ويرغبون في استمرار الكفاح المسلح ضد إسرائيل، لذلك ليس لدى إسرائيل نهاية واضحة للصراع، وجميع نجاحاتها هي نجاحات لحظية وتكتيكية، لن تتغير المعضلة الأساسية وهي أن هناك شعبين وأرض واحدة وقدرهم هو العيش معًا على هذه الأرض، ويجب عليهم إيجاد طريقة للعيش بسلام.

“لدينا سلطة فلسطينية في رام الله تفتقر إلى الشرعية لأنها نظام متعاون مع الاحتلال، ولأنها فاسدة وغير فعّالة ولا تخدم شعبها”

من يمكن أن يتحدث إليه القادة الإسرائيليون اليوم؟ هناك سلطة فلسطينية متهمة بالفساد وسوء الإدارة وشرعيتها جزئية، والعديد من الفلسطينيين لا يؤمنون بها ولا تلبي آمالهم، والآن يتم تقويض قيادة حماس، يبدو أنه لا توجد أي قيادة فلسطينية يمكن للإسرائيليين التفاوض معها، ويمكنهم الاستمرار في إدارة هذا الوضع حتى تظهر المزيد من التقنيات والتكنولوجيا الوحشية التي تساعدهم على السيطرة والتحكم بالفلسطينيين والاستمرار في احتلالهم، مثلما تمكنوا في الاستمرار في هذا الإحتلال حتى الآن وإدارة هذا الصراع طوال العقود الماضية.

لقد كان ضعف القيادة الفلسطينية عاملًا مستمرًا طوال التاريخ وأثر ذلك على الحركة الوطنية الفلسطينية، منذ القيادة الضعيفة للحاج أمين الحسيني المفتي الأكبر للقدس، إلى أبو مازن اليوم، وإسرائيل كان لديها شريك فلسطيني للتفاوض معه وهو منظمة التحرير الفلسطينية، وقعت منظمة التحرير اتفاق أوسلو مع إسرائيل واعترفت بحق إسرائيل في الوجود، واتفقوا على التخلي عن الإرهاب، وحل جميع القضايا العالقة بالوسائل السلمية، كانت تلك بداية جديدة، لكن إسحاق رابين تم اغتياله، وعاد حزب الليكود إلى السلطة في عام 1996 تحت قيادة بنيامين نتنياهو، وتراجعت إسرائيل عن اتفاق أوسلو.

اليوم لدينا سلطة فلسطينية في رام الله تفتقر إلى الشرعية لأنها نظام متعاون مع الاحتلال، ولأنها فاسدة وغير فعّالة ولا تخدم شعبها، وهي في الأساس مقاول فرعي للأمن الإسرائيلي في الضفة الغربية، وهي منافسة لحماس، لكن الفلسطينيين استطاعوا تشكيل حكومات وحدة وطنية كما فعلوا في عام 2007، ولا تريد إسرائيل حكومات وحدة وطنية، إسرائيل تريد إبقاء الفلسطينيين منقسمين ومجزئين.

هدية من مركز البابطين لحوار الحضارات شكرا لآفي شلايم على مساهماته في السلام العادل والتعايش بين الأديان

لقد تحدث نتنياهو عن أهمية إبقاء الفلسطينيين منقسمين في كتاب سيرته الذاتية، يبدو أنها ركيزة أساسية في سياسته.

نعم، “فرق تسد”، واعتقد نتنياهو أنه حل المشكلة بوجود سلطة فلسطينية ضعيفة في الضفة الغربية، وترك حماس تحكم غزة، وسكان غزة محتجزون داخل “السجن”، سجن الهواء الطلق في غزة، وترك قطر تمول حكومة حماس وتمكّن حماس من حكم غزة، واعتقد نتنياهو أن هذا حل للصراع، وإسرائيل تدير ذلك الصراع، ولكن كل ذلك انهار بين عشية وضحاها، في السابع من أكتوبر.

هناك سؤال يدور بين العرب اليوم: هل كان السابع من أكتوبر نجاحًا؟ أم فشلًا للفلسطينيين؟ ومع مرور الوقت، بدأ المزيد من العرب يعتقدون أنه كان فشلًا أكثر مما هو نجاح، كان أكثر ضررًا من الناحية الأخلاقية والسياسية، ومن حيث المصلحة، وهم يلقون اللوم على حماس في تدمير غزة بشكل أساسي، ونرى ذلك حتى في وسائل الإعلام العربية الأكثر تمويلا وانتشارا.

لم يكن أحد ليتوقع حجم وحشية الرد الإسرائيلي على هجوم حماس، لذلك يمكن القول إن هجوم حماس كان خطأ، لأن الثمن الذي دفعه الشعب الفلسطيني كان أكبر من أن يبرر الهجوم، ولكنني لا أتفق مع القول بأن الفلسطينيين قد خسروا، فقد خسر الفلسطينيون الأرض الأخلاقية، ولكن انظروا إلى قرارات محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنائية الدولية، لقد قضت محكمة العدل الدولية أن هناك خطرًا حقيقيًا أن إسرائيل ترتكب الإبادة الجماعية، وهذا أمر ذو دلالة كبيرة.

لم تتهم إسرائيل بالإبادة الجماعية من قبل، في مذكراتي كتبت، أنه رغم جميع خطاياها، لم ترتكب إسرائيل الإبادة الجماعية، وكتب لي أحد القراء وقال، هذا ما كتبته، هل ما زلت تؤمن به اليوم؟ لا، لم أعد أؤمن بذلك بعد الآن، لأن إسرائيل بدأت فعلا بارتكاب الإبادة الجماعية، ثم أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت، هؤلاء هم قادة دولة تدعي أنها ديمقراطية، أنها نور ساطع، وها هم قادتها الآن يواجهون أوامر اعتقال، إذا ذهب نتنياهو إلى أي من الدول الـ 24 الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، يجب على الحكومات أن تعتقله، هذا يعطيك فكرة عن التدهور الأخلاقي للصهيونية وإسرائيل.

خلال الحرب العالمية الثانية، كان اليهود هم الضحايا العزل لألمانيا النازية، اليوم الشعب الفلسطيني هو الضحية العزلاء، والحرب في غزة ليست مجرد حرب بين إسرائيل وحماس، إنها حرب بين إسرائيل والشعب الفلسطيني بشكل عام.

لقد خذل المجتمع الدولي الشعب الفلسطيني باستمرار، عجلات العدالة الدولية تتحرك ببطء شديد، ولكن هذه فترة حاسمة، الآن بدأت عجلات العدالة الدولية تتحرك وتتحرك ضد إسرائيل كما يظهر من خلال أحكام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.

“لم يعين أحد إسرائيل كمتحدث باسم يهود العالم”

هل أصبح المحور الإيراني جزءًا من التاريخ الآن؟ ما هو مستقبل إيران وحلفائها، الذين يبدو أنهم المقاومة المسلحة الوحيدة المنظمة المتبقية في المنطقة؟

لقد تعرضت إيران لانتكاسة كبيرة وحلفاؤها أيضًا تعرضوا لضرر كبير على يد إسرائيل، فلا شك أن محور المقاومة قد ضعف وأن إيران قد ضعُفت بشكل كبير، على وجه الخصوص، كانت سوريا حلقة وصل رئيسية في محور المقاومة، وكان السلاح الإيراني لحزب الله يمر عبر سوريا. الآن، النظام الجديد في سوريا لا يريد أن يشارك في الصراع مع إسرائيل، لذلك سيكون هناك مشكلة لوجستية خطيرة في إعادة تسليح حزب الله. 

ولكن الأمور قد تصبح أسوأ، لقد انتشرت هذه الحرب من غزة إلى لبنان، وهناك تكثيف للقتل والتطهير العرقي في الضفة الغربية، والآن سوريا تتعرض لهجمات إسرائيلية مستمرة، قد تنتشر هذه الحرب أكثر، نتنياهو وبعض الأمريكيين اليمينيين يرغبون في مهاجمة إيران وهذا أمر جاد.

الجمهوريون يتحدثون عن مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، أمريكا قدمت لإسرائيل قنابل قادرة على تدمير المخابئ، إسرائيل قادرة على مهاجمة بعض المواقع، لكن إسرائيل بمفردها لا يمكنها القضاء على المنشآت النووية الإيرانية، أمريكا وإسرائيل معًا يمكنهما فعل ذلك. لذلك، خوفي هو أن الأمور ستزداد سوءًا، بدلاً من أن تتحسن.

إسرائيل الآن خارج السيطرة ولا يوجد ما يعيقها، لقد فشل الأمم المتحدة بشكل كامل في محاسبة إسرائيل، وعندما يتولى ترامب السلطة في أمريكا ستكون أفعاله غير قابلة للتنبؤ، لقد أصبح مستقبل الشرق الأوسط الآن أكثر غموضًا من أي وقت مضى منذ فترة طويلة، والضحايا الحقيقيون لهذه الفوضى الإقليمية هم الفلسطينيون.


لدي سؤال من صديق متطرف جدًا، وأنا أقتبس السؤال هنا، يقول: “لقد رأينا المسلمين العراقيين، بالآلاف، يتطوعون للقتال ضد داعش. لماذا لا نرى اليهود يقاتلون إسرائيل بالسلاح؟”

إسرائيل تدعي أنها تمثل ليس فقط مواطنيها ولكن يهود العالم. ولكن لم يعين أحد إسرائيل كمتحدث باسم يهود العالم، إسرائيل ليس لديها تفويض للتحدث نيابة عن اليهود، وبسبب التحول الإسرائيلي إلى اليمين، وبسبب تصاعد الوحشية الإسرائيلية، بدأ المزيد والمزيد من اليهود يشعرون بخيبة أمل تجاه إسرائيل. أنا أعيش في بريطانيا وأنتسب إلى عدد من هذه الجماعات، مثل “الصوت اليهودي المستقل”، “يهود من أجل العدالة للفلسطينيين”، “صوت العمال اليهود”، “حرية التعبير عن إسرائيل”، هذه كلها جماعات يهودية ليبرالية تنتقد إسرائيل.

في أمريكا، الجسم الرئيسي هو “الصوت اليهودي من أجل السلام”، وهي منظمة قوية جدًا، وفي أمريكا لم يكن فقط الرأي العام الذي تحول ضد إسرائيل، بل الرأي اليهودي أيضا بدأ ينفصل تدريجيًا عن إسرائيل، فالمزيد من اليهود يقولون: “أفعالكم ليست باسمنا، إسرائيل لا تمثلنا”، أشارك مع زوجتي وابنتي في المسيرات المناهضة للحرب في لندن وهناك كتلة يهودية قوية تضم ألف شخص تسير تضامنًا مع الفلسطينيين، لذلك هناك انقسام متزايد بين إسرائيل ويهود العالم، وأحد أسباب ذلك هو أن إسرائيل لا تمثل القيم اليهودية، القيم اليهودية الأساسية هي الإيثار، والحق، والعدالة، والسلام. الحكومة الحالية في إسرائيل هي نقيض هذه القيم اليهودية الأساسية، جوهر اليهودية هو اللاعنف، وهذه الحكومة هي الأكثر عنفًا ووحشية ونزعة نحو ارتكاب إبادة جماعية في تاريخ إسرائيل، وأنا كيهودي أشعر أن من واجبي الأخلاقي أن أُنتقد هذه الحكومة، وأدينها، وأظهر تضامني مع الشعب الفلسطيني.

حسين سنا من كويت نيوز مع آفي شلايم في مكتبته المنزلية بعد المقابلة

هل هناك طريقة ما للعودة إلى الحضارة العربية اليهودية، هل هناك طريقة لإحياء المجتمع اليهودي العربي؟ لإحياء هذه الحضارة؟ هناك خطاب اليوم في الإمارات مثلا، فهم يحاولون بناء الروابط والعلاقات الاجتماعية عبر مبادرات مجتمعية حوارية بين اليهود العربـ ترفع شعارات أن أبناء العمومة يتلاقون، وربما يكون الإسرائيليون في الإمارات مختلفون عن اليهود الذين نحاول إعادة بناء علاقاتنا معهم، فما الفرق بين هاتين الفئتين من اليهود وهل هناك طريقة لإحياء الحضارة العربية اليهودية؟ وما الذي يتعين على العرب مثلي؟ أو على من سيسمعون هذه الرسالة للمساهمة في بقاء اليهود العرب؟

موقفي الشخصي من الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين قد تشكل من تجربتي الخاصة كطفل في بغداد، لأنني وعائلتي عشنا في العراق، حيث كان هناك تاريخ طويل من التسامح الديني، وقد دمرت الأفكار القومية كل ذلك، لكنني أود أن أعتقد أنه يمكننا العودة إلى تلك الحالة، وأنه يمكن أن يكون هناك تحرك نحو فهم أفضل بين المسلمين واليهود، العثور على طريقة للتعايش، قد يكون ذلك صعبا في اللحظة الحالية مع وجود جماعات متطرفة في السلطة على الجانبين، من شاكلة الحكومة الإسرائيلية وحماس، لكنني ما زلت متفائلًا على المدى الطويل بأن الشعبين وشعوب المنطقة سيتعايشون معًا ويستطيعون تجاوز الاختلافات الدينية والثقافية، ويجدون طريقة للتعايش.
أنا متشائم على المدى القصير، لكنني أكثر تفاؤلًا على المدى الطويل، وبالأخص متفائل بأن التغيير سيحدث في إسرائيل، كان إيبا إيبان، وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، يقول إن الأمم، مثل الأفراد، قادرة على التصرف بعقلانية بعد أن تستنفد كل البدائل الأخرى، لذلك، أنا متفائل أنه بعد أن تستنفذ إسرائيل كل الوسائل المتاحة لها أن يحدث التغيير، ستعود إلى رشدها وتدرك أن التعايش السلمي هو الطريقة الوحيدة لمستقبل أفضل، وسنتمكن من تجاوز الاختلافات الدينية والثقافية، وإيجاد طريقة للتعايش.

“القومية تعيقنا عن التفكير، وهي قوة سلبية ذات ميل للتطرف والحرب”

إذا كان لديك أي رسائل تريد توجهها إلى اليهود، إلى الإسرائيليين، إلى الفلسطينيين، ثم إلى العرب مثلي من الكويت، من الدول العربية الأخرى، إذا كنت ترغب في إرسال رسالة لهم، ماذا ستكون هذه الرسالة؟

رسالتي إلى جميع شعوب المنطقة هي أن نعامل بعضنا البعض كبشر، أعتقد أن القوميات تعيقنا، القومية تعيقنا عن التفكير، وهي قوة سلبية ذات ميل للتطرف والحرب، وقد رأينا عواقب القومية في شكل حماس، وما نتج عن العنف الذي أدت إليه، ونرى القومية الإسرائيلية والاستجابة الوحشية التي أثارتها، لذا فالقومية هي المشكلة لأنها تفرق البشر بين “نحن” و “هم”.

أنا تلميذ لإدوارد سعيد وكنت صديقا له، وكان ناقدًا شديدا لإسرائيل وما فعلته بالعالم العربي، لكنه أيضًا فهم وتعاطف مع معاناة اليهود، وكتب مقالًا في “النهار” بعنوان “أسس التعايش”، وطلب من العرب أن يفهموا أن اليهود عانوا من الهولوكوست، وبسبب تاريخهم، فإنهم مهووسون بالأمن، وتحدث عن الفلسطينيين والإسرائيليين ليس كأعداء، بل كمجتمعات مرت في معاناة، لذا رسالتي هي أن نكون أكثر إنسانية. 

يجب أن نضع أنفسنا في مكان الآخرين، لأن السياسيين هم الذين يستخدمون القومية والشعبوية لمصالحهم الأنانية الخاصة، ولا يوجد مثال أفضل على الأنانية، الأنانية القاسية والمستمرة، من بنيامين نتنياهو، الذي يطيل الحرب، هو يطيل حرب غزة من أجل مصلحته الشخصية، فالسياسيون مسؤولون عن الحالة البائسة لمنطقتنا اليوم، ورسالتنا هي ضرورة أن يحترم الناس العاديون بعضهم البعض.

وأنا أكن أعلى درجات الاحترام والتعاطف مع الشعب الفلسطيني. لأنهم الأقل حظًا، وإسرائيل تصور ليس فقط حماس، بل جميع الفلسطينيين اليوم كنازيين، وأنا أقول إن الفلسطينيين هم ناس طبيعيون، يريدون ما يريده كل الناس الطبيعيين، وهو العيش بسلام وكرامة على أرضهم.

سؤال أخير، هل هناك موسيقى يهودية عراقية؟ أو بقايا من الثقافة اليهودية العراقية التي لا تزال تستمع إليها، أو تتذكر أنك استمعت إليها في وقت سابق من حياتك؟

أنا أحب الموسيقى العراقية كثيرًا، وكان لليهود دور كبير في موسيقى المقام، وهناك موسيقيان يهوديان على وجه الخصوص. الكويتي. الأخوان الكويتي، داوود وسالم الكويتي، الذين ذهبوا من الكويت إلى البصرة، ومن ثم من البصرة إلى بغداد، في بغداد كان لديهم فرقة موسيقية، وكان الطبال هو المسلم الوحيد في الفرقة، وفي مذكراتي لدي صورة للفرقة، لكنهم كان لديهم برنامج أسبوعي في إذاعة بغداد، ومن خلال هذا البرنامج وصلوا إلى جميع أنحاء العراق، وكان الأخوان كويتي قد عزفا في حفل زفاف والديّ، وكانت المغنية هي سليمة مراد التي أُعطيت لقب “سليمة باشا”، كان لديها حفلة عند منتصف الليل بعد أن انتهت من الغناء في ناد يهودي، ولكنها جاءت إلى الزفاف وبقيت حتى الفجر، لذا ما زلت أحب موسيقى الأخوان كويتي، وخاصة موسيقى سليمة باشا.