ذكرى ميلاد مانديلا.. دعوات لإحياء إرثه وتحذيرات من تبعات كورونا

اغتال أحد المتعصبين للعرق الأبيض، زعيم جنوب أفريقيا الأسود المحبوب،  كريس هاني، في العاشر من أبريل 1993، في وقت كانت البلاد فيه على “حافة الكارثة” مع تصاعد الحرب الأهلية التي مزقت المجتمع. 

وعلى عكس التيار، قرر نيلسون مانديلا، الذي كان قد قضى 27 عاما في سجون نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، أن يتوجه إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون الوطني، ليناشد الشعب الهدوء. 

لم يركز مانديلا في خطابه على المتعصب الأبيض الذي قتل هاني، بل سلط الضوء على شهامة امرأة بيضاء لم يقابلها قط، كانت قد شهدت جريمة القتل، وساعدت السلطات في التعرف على القاتل من خلال تدوين لوحة ترخيص السيارة التي استقلها القاتل أثناء هروبه. 

وقال مانديلا: “خاطرت امرأة بيضاء من أصل أفريكاني (عرقية من السكان الأصليين في جنوب أفريقيا) بحياتها حتى نعرف ونقدم للعدالة هذا القاتل”.

تسبب القوميون البيض، الأفريكانيون، في معاناة مانديلا طوال حياته. وكان نظامهم قد حكم عليه بالسجن المؤبد عام 1964. وأخذوه بعيدًا عن أسرته وزوجته. عذبوا واغتالوا أقرب أصدقائه.

ويحيي العالم اليوم الدولي لنيلسون مانديلا في 18 يوليو من كل عام، وهو عيد ميلاد مانيلا أو “ماديبا”، كما كان يلقب من قبل محيطه. 

ولد نيلسون مانديلا، في 18 يوليو 1918، في مفيزو بجنوب أفريقيا. وانضم إلى حزب المؤتمر الأفريقي في 1944، وأسس مع آخرين عصبة الشبيبة التابعة لحزب المؤتمر. 

وفي عام 1952، دشّن حملة “تحد” التي كانت حملة عصيان مدني كبيرة اعتراضا على القوانين الظالمة. في عام 1964 حُكم عليه بالسجن مدى الحياة، وخرج من السجن في عام 1990 بعد أن أمضى فيه 27 عاما.

كرّس نيلسون مانديلا 67 عاما من حياته في خدمة الإنسانية، كمحامٍ لحقوق الإنسان وسجين ضمير وصانع سلام دولي وأول رئيس منتخب ديمقراطيا لدولة جنوب أفريقيا.

يُعد يوم نيلسون مانديلا مناسبة للجميع للعمل وإلهام التغيير، حيث أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 2009 يوم 18 يوليو “اليوم الدولي لنيلسون مانديلا” اعترافا بإسهامه في ثقافة السلام والحرية.

وفي ديسمبر 2015، قررت الجمعية العامة توسيع نطاق اليوم العالمي لنيلسون مانديلا ليتم استخدامه أيضا من أجل تعزيز الظروف الإنسانية في السجون، وزيادة الوعي بشأن السجناء باعتبارهم جزءا من المجتمع.

واعتمدت الجمعية العامة قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء ووافقت على أن تُعرف باسم “قواعد نيلسون مانديلا” من أجل احترام إرث رئيس جنوب أفريقيا الراحل.

وبحسب بحث عالمي كشفت الأمم المتحدة عن نتائجه، الجمعة، فإن واحدا من كل ثلاثة سجناء في جميع أنحاء العالم يُحتجز دون محاكمة، مما يعني أنه لم تتم إدانته من قبل أي محكمة عدل.

ووجدت الدراسة أنه على مدى العقدين الماضيين، بين عامي 2000 و2019، زاد عدد السجناء في جميع أنحاء العالم بأكثر من 25 في المائة، وسُجن 11.7 مليون شخص في نهاية عام 2019، وهذا عدد يمكن مقارنته في الحجم بدول بأكملها مثل بوليفيا أو بوروندي أو بلجيكا أو تونس.

ووجد البحث أنه وفي نهاية عام 2019، آخر سنة تتوفر فيها المعطيات، كان هناك حوالي 152 سجينا لكل 100,000 نسمة. وقد شهدت أميركا الشمالية وأفريقيا جنوب الصحراء وأوروبا الشرقية انخفاضا في معدلات السجن طويل الأجل تصل إلى 27 في المائة.

محطات رئيسية في حياة مانديلا
محطات رئيسية في حياة مانديلا

العالم يحتاج مانديلا 

ويبدو أن العالم يحتاج إلى إحياء إرث نيلسون مانديلا حاليا أكثر من أي وقت مضى، حيث تهدد الانقسامات السياسية المجتمعات مع تزايد خطاب الكراهية وطمس المعلومات المضللة للحقيقة، بحسب منظمة الأمم المتحدة. 

وحرم الفصل العنصري 85 في المئة من سكان جنوب أفريقيا، الذين ولدوا ببشرة داكنة من أي سلطة سياسية. لم يكن بإمكان السود التصويت والتنافس مع البيض في مكان العمل؛ لم يتمكنوا من استخدام نفس المراحيض العامة والحافلات والشواطئ، وعاش الكثير منهم في بؤس.

وقال الأمين العام، أنطونيو غوتيريش، إن دعوات مانديلا للتضامن وإنهاء العنصرية لها أهمية خاصة اليوم، “إذ يهدد الانقسام عرى التماسك الاجتماعي في جميع أنحاء العالم.”

وأضاف أن المجتمعات أصبحت أكثر استقطابا مع تزايد خطاب الكراهية وطمس المعلومات المضللة للحقيقة، وتشكيكها في العلم وتقويضها للمؤسسات الديمقراطية.

كورونا تهدد المجتمعات 

وأدت جائحة كوفيد-19 المستمرة إلى زيادة حدة هذه الانقسامات وتراجع التقدم بسنوات في الكفاح العالمي ضد الفقر.

أشار غوتيريش إلى أن المهمشين والمعرضين للتمييز، وكما هو الحال دائما في أوقات الأزمات، هم الذين يعانون أكثر من غيرهم، وغالبا ما يلامون على المشاكل التي لم يتسببوا فيها.

وتابع قائلا: “إن اليوم الدولي لنيلسون مانديلا يمثل فرصة للتأمل في حياة وإرث مدافع عالمي أسطوري عن الكرامة والمساواة والعدالة وحقوق الإنسان.”

وبحسب المسؤول الأممي، أظهرت الجائحة الأهمية الحيوية للتضامن الإنساني والوحدة الإنسانية، “وهما قيمتان ناصرهما وجسّدهما نيلسون مانديلا في كفاحه مدى الحياة من أجل العدالة”.

وشدد على أن لا أحد في مأمن حتى يصبح الجميع آمنين. “وكل واحد منا له دور يؤديه. فدعونا نستلهم رسالة ماديبا بأن كل واحد منا يمكن أن يحدث فرقا في تعزيز السلام وحقوق الإنسان والانسجام مع الطبيعة والكرامة للجميع. ودعونا نحيي جميعا دعوة ماديبا إلى العمل ونستمد القوة من إرثه.”

وحوّلت جائحة كوفيد-19 الانتباه بشكل جذري إلى قضية اكتظاظ السجون. فوفقا لتحليل عالمي للحكومة والمصادر المفتوحة، اعتبارا من مايو، أصيب ما يقرب من 550 ألف سجين في 122 دولة بمرض كوفيد-19، مع ما يقرب من 4,000 حالة وفاة في السجون في 47 دولة.

“نحتاج إلى إحياء نموذج مانديلا”

وترى شبكة سي أن أن الأميركية في تحليل لها، أن المجتمع الأميركي يحتاج إلى إحياء نموذج مانديلا حاليا أكثر من أي وقت مضى، مع ارتفاع نزعات القوميين البيض في البلاد، خاصة بعد المشهد الصادم في السادس من يناير الماضي، عندما اقتحم حشد من المواطنين البيض المسلحين، مبنى الكونغرس، أهم مكان سياسي في البلاد حيث فر المشرعون بحثًا عن الأمان في محاولة لعرقلة الانتخابات المقبلة.

وقال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كريستوفر راي، مؤخرا إن التفوق الأبيض يمثل أكبر تهديد إرهابي في البلاد. 

ويرى العديد من المراقبين أن بعض الأماكن تشهد حربا أهلية سياسية وثقافية، بين أنصار الحزبين الديمقراطي والجمهوري. 

وتقول الشبكة في تقرير لها: “أصبح من المعتاد أن يقوم الناس بتشويه صورة المعارضين السياسيين في هذا البلد. تنتشر مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، يظهر فيها سياسيون ‘يدمرون’ فيها خصومهم السياسيين”. 

وتشير الشبكة إلى “دراسات استقصائية تكشف أنه في حين أن الأميركيين أكثر انفتاحا على الزواج بين الأعراق والمساواة في الزواج ، فإن المزيد الآن يعارضون الزيجات ‘بين السياسة’، أو الزواج من شخص من حزب سياسي آخر”. 

رسالة إلى الحكام 

ويحث موقع “شير أميركا“، التابع لوزارة الخارجية الأميركية، على اتخاذ قادة الدول المختلفة مانديلا كنموذج لهم في الحكم عندما تخلى طوعا عن منصب الرئيس في جنوب أفريقيا بعد فترة ولاية واحدة فقط ست سنوات. 

يشير الموقع إلى أن الخطوة التي اتخذها مانديلا كانت القاسم المشترك بينه وجورج واشنطن ورجل الدولة الروماني سينسيناتوس.، حيث قرر كل واحد منهم الخروج من السلطة السياسية.

“هذا الموقف يتناقض تناقضًا واضحًا مع الطغاة الذين يتشبثون بالسلطة لعقود طويلة”، كما يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة ميشيغان، وليام بي. ألين للموقع، مضيفا أن “التخلي عن المنصب السياسي طوعًا” هو بمثابة إذعان متواضع لتفوق سلطة المجتمع على طموح الحاكم … ومؤشر بارز للطابع الديمقراطي”. 

واكتفى جورج واشنطن، وهو أول رئيس للولايات المتحدة، بتولي منصب الرئاسة فترتين فقط، حيث رفض الترشح لولاية رئاسية ثالثة، معلنًا أن ولايتين متتاليتين كانتا كافيتين لأي رئيس. 

وتمّ تعديل الدستور الأميركي لاحقًا لإضفاء الطابع القانوني الرسمي على تحديد فترة تولي الرئاسة بدورتين. 

وفي العام 1999، عندما تنحى نيلسون مانديلا طوعًا عن منصبه بعد قضاء فترة واحدة كرئيس لدولة جنوب أفريقيا، فإنه تبع خطى رجل الدولة الروماني لوسيوس كوينتيوس سينسيناتوس (519-430 قبل الميلاد) الذي تخلى في مناسبتين عن تولي سلطة طارئة شبه مطلقة لكي يعود إلى مزرعته.

وفي هذا السياق، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، مايكل كورنفيلد، لموقع “شير أميركا”، أن الانتقال السلمي للسلطة يُساهم في الحفاظ على الصحة السياسية للدولة.

وتوفي مانديلا، عام 2013، عن عمر يناهز 95 عامًا. ما فعله هو وعدد لا يحصى من مواطني جنوب أفريقيا الآخرين يبدو وكأنه معجزة اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى